-
NewsDetail
أكدت خبيرة في الصحة النفسية بمؤسسة حمد الطبية أن الأمهات الجدد اللاتي يحظين بالدعم الاجتماعي من الأقارب والأصدقاء يكنّ أقدر على تجاوز الفترة العصيبة التي يتعرضن لها بعد استقبالهن لمواليدهن الجدد ، كما يكنّ أقل عرضة للإصابة بالإكتئاب الحاد اللاحق للولادة .
وقالت الدكتورة سهيلة غلوم، استشاري أول الأمراض النفسية في مؤسسة حمد الطبية:" على الرغم من أن قدوم المولود الجديد يعد من أروع الأحداث وأسعدها لدى الأسرة إلا أنها تكون في الوقت نفسه من الأحداث الرئيسية التي تنطوي على الكثير من الضغط والتوتر النفسي بالنسبة للآباء والأمهات الجدد، فبعد الولادة تفقد الأم الكثير من الهرمونات مما يترتب عليه شعورها بالتعب والإرهاق كما تبدو عليها علامات الخمول والإكتئاب ، كما تبدأ في المعاناة من بعض المشاكل النفسية مثل الشعور بأنها لم تعد جذابة أو أنها قد فقدت القدرة على التحكم بحياتها".
وتشير إحدى الدراسات البحثية التي نشرتها إدارة الصحة النفسية في مؤسسة حمد الطبية عام 2013 الى ان معدل انتشار الإكتئاب الحاد اللاحق للولادة في قطر يقل عن 18%، كما أكدت هذه الدراسة أن العوامل والمخاطر المرتبطة بهذا الإضطراب النفسي في قطر هي نفسها السائدة في بقية دول العالم، ومن هذه العوامل افتقار الأمهات الجدد الى الدعم الإجتماعي اللازم من قبل أفراد الأسرة إضافة الى عوامل أخرى مثل التعقيدات والمشاكل الصحية التي تمر بها الأم أثناء فترة الحمل، والتاريخ المرضي المتصل بالإكتئاب، وعوامل أخرى مسببة للقلق والتوتر النفسي مثل المشاكل المالية التي تعاني منها الأسرة.
ويمكن لأفراد الأسرة أو الأصدقاء تقديم الدعم للأمهات الجدد من خلال المساعدة في العناية بالمولود الجديد أو في بعض أعمال المنزل خاصة إذا كان هناك أطفال آخرون بحاجة الى العناية. وقد يكون مجرد الحديث مع الأمهات الجدد والاستماع الى ما يعانين منه من ضغوط العمل المنزلي والصعوبات الأخرى المرتبطة بالمعيشة نوعاً من أنواع الدعم الإجتماعي الممكن تقديمه لهولاء الأمهات، ولا بد من الإشارة الى أنه من الضروري تحرّي علامات وإشارات الإكتئاب اللاحق للولادة لدى هؤلاء الأمهات أثناء التواصل معهن خصوصاً وأنهن لا يدركن أنهن قد أصبن بالإكتئاب أو لا يرغبن في الإفصاح عن ذلك.
وأشارت الدكتورة سهيلة غلوم الى ضرورة التفريق بين الإكتئاب اللاحق للولادة وحالة شبيهة بها يطلق عليها مجازاً اسم " بيبي بلوز " وتتصف بالتقلبات المزاجية والنفسية وهي شائعة الحدوث لدى الأمهات الجدد حيث أن الأخيرة تزول وتختفي أعراضها خلال بضعة أيام، وحول أعراض هذه الحالة تقول الدكتورة سهيلة:" تكون الأم عرضة لبعض التقلبات المزاجية والعاطفية خلال فترة الأسابيع القليلة اللاحقة للولادة حيث تكون سريعة التأثر بأية تعليقات أو انتقادات كما أنها قد تنفجر بالبكاء أو تشعر بالضيق والإنزعاج لأدنى الأسباب ودون سبب واضح". وقد تكون هذه الأعراض لدى بعض النساء مؤشراً على وجود إضراب نفسي أشد خطورة خاصة إذا استمرت الأعراض لفترة تزيد على الأسبوعين.
وقد تحدثت إحدى السيدات ، التي أنجبت مولودها الرابع في مستشفى النساء مؤخراُ ، عن تجربتها مع الإضطرابات النفسية اللاحقة للولادة فقالت:" لم يسبق لي وأن شعرت بهذا القدر من الإكتئاب بعد الولادة، وقد بدأ ذلك عندما تقرر استبقائي في المستشفى لستة أيام بسبب ارتفاع في ضغط الدم لدي، وقد شعرت خلال تلك الفترة بتقلبات مزاجية وحزن شديد لا أعرف له سبباً ، كما مرّت بي لحظات شعرت خلالها بالرغبة في البكاء كما كنت أشعر بالخمول والعزوف عن فعل أي شئ. لقد كانت تلك من أسوأ الفترات التي عشتها في حياتي ولم يسبق لي أن شعرت بذلك عند إنجابي لأي من أولادي السابقين، وقد انتابني شعور بالوحدة والعزلة وبأني بعيدة عن أفراد أسرتي الذين افتقد دعمهم ومؤازتهم لي خاصة وأن عليّ الإعتناء بمولودي الجديد بمفردي في وقت يتعيّن عليّ فيه التحقق من استقرار حالة ارتفاع ضغط الدم التي اعاني منها".
وأشارت السيدة الى أنها شعرت بالإمتنان لأن زوجها وأبناءها الآخرين بذلوا كل ما في وسعهم لمساعدتها في العناية بالمولود الجديد وفي تقديم العون لها في ظل الظروف الصحية الجسدية والنفسية التي كانت تمر بها ، وأنه بمساعدتهم لها أثناء تلك الفترة تمكنت من تجاوز تلك المرحلة دون الحاجة الى التدخل الطبي أو النفسي.
وتضيف الدكتورة سهيلة غلوم :" تركّز الإستراتيجية الوطنية للصحة النفسية على نشر الوعي بأهمية الصحة النفسية للمرأة ، و يعدّ الإكتئاب الحاد اللاحق للولادة من أهم الأولويات الواجب أخذها بعين الاعتبار، وربما يرجع السبب في ذلك الى سهولة معالجة هذا الإضطراب النفسي نسبياً والنتائج الإيجابية المترتبة على ذلك، ولكن لا بد من التحذير من أن إهمال معالجة هذا الإضطراب النفسي قد ينعكس سلباً على صحة الأم كما يؤثر على نماء الطفل".
وقد تعاني الأم المصابة بالإكتئاب اللاحق للولادة من أعراض مثل التقلبات المزاجية الحادة، والإعياء الشديد، والشعور باليأس، والشعور بانعدام القيمة الذاتية أو فقدان الثقة بالنفس في القيام بدورها كأم، وكذلك الصعوبة في النوم، وفقدان الشهية للأكل وبالتالي التعرض لنقص شديد في الوزن، وعدم الإستمتاع بالأمومة وفقدان الشعور برابطة الأمومة بطفلها الرضيع.
وتضيف الدكتورة سهيلة :" في حال كان لديك شك في أن سيدة من المقربين لديك تعاني من الإكتئاب الحاد اللاحق للولادة فلا تنتظر على أمل أن تشفى من هذا المرض من تلقاء نفسها بل حاول مساعدتها على التوجه لطلب الرعاية الصحية المناسبة في أسرع وقت ممكن، خاصة إذا استمرت الأعراض لفترة تزيد على الأسبوعين أو كانت هذه الأعراض بالغة الشدة. وأنصح السيدات بالإفصاح عن الأعراض اللاتي يعانين منها لطبيب النساء والذي سيقرر فيما إذا كان هناك ما يدعو الى تحويل الحالة الى الصحة النفسية في مؤسسة حمد الطبية".
ويمكن معالجة الإكتئاب الحاد اللاحق للولادة، كبقية الأمراض النفسية الأخرى، من خلال جلسات العلاج النفسي أو عن طريق الأدوية أو بكليهما، كما قد يسهم إشراك المريضة في مجموعة دعم نفسي في الحصول على نتائج علاجية جيدة.
وفي الحالات التي ينعدم فيها الدعم الإجتماعي أو التي تعاني فيها المريضة من شعور شديد باليأس وانعدام القيمة الذاتية والرغبة في الموت، قد يبحث المختصون في الصحة النفسية في مؤسسة حمد الطبية إمكانية إدخال المريضة الى المستشفى، وفي بعض الحالات النادرة والتي تشكّل فيها الأم خطراً على نفسها أو على مولودها ينبغي طلب المساعدة الطبية فوراً أو الإتصال بالطوارىء على الرقم (999).